فصل: (سورة النساء: الآيات 66- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النساء: الآيات 61- 63]:

{وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْسانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}

.الإعراب:

{وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} كلام مستأنف مسوق لتكملة مادة التعجب من حالهم. والواو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب وهو رأيت وجملة قيل في محل جر بالإضافة ولهم متعلقان بقيل وجملة تعالوا مقول القول والى ما أنزل اللّه متعلقان بتعالوا وجملة أنزل اللّه صلة الموصول والى الرسول عطف على قوله: {إلى ما أنزل اللّه رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} رأيت فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والمنافقين مفعول به وجملة يصدون حالية إن كانت الرؤية بصرية أو مفعول به ثان إن كانت الرؤية قلبية وعنك متعلقان بيصدون وصدودا مفعول مطلق {فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} الفاء استئنافية وكيف اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال أي فكيف يصنعون؟ أو فكيف تراهم؟ ويجوز أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف أي: فكيف صنعهم أو حالهم؟ وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب المحذوف وجملة أصابتهم في محل جر بالإضافة ومصيبة فاعل وبما متعلقان بأصابتهم ويجوز في ما أن تكون مصدرية، أو موصولية وجملة قدمت أيديهم لا محل لها، وأيديهم فاعل {ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْسانًا وَتَوْفِيقًا} ثم جاءوك عطف على أصابتهم ولا أرى مساغا لصنع بعضهم في عطفها على جملة يصدون كما يرى البيضاوي وجملة يحلفون باللّه حالية وإن نافية وأردنا فعل وفاعل وإلا أداة حصر وإحسانا مفعول به وتوفيقا عطف على إحسانا {أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ} الجملة مستأنفة مسوقة لزيادة التنبيه على نفاقهم. وأولئك مبتدأ والذين خبر اسم الاشارة وجملة يعلم اللّه صلة الموصول وما اسم موصول مفعول به وفي قلوبهم متعلقان بمحذوف صلة الموصول {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} الفاء الفصيحة وهي التي أفصحت عن شرط مقدر أي:
إذا كانت حالهم كذلك فأعرض عنهم ولا تقبل لهم عذرا، وأعرض فعل أمر وفاعله أنت وعنهم جار ومجرور متعلقان بأعرض والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط محذوف غير جازم وعظهم عطف على أعرض وقل لهم: عطف على أعرض ولهم متعلقان بقل، وفي أنفسهم في متعلق هذا الجار والمجرور ثلاثة أوجه متساوية في الصحة والجودة:
1- إنهما متعلقان ببليغا لأن أمره بتهديدهم بلغ صميم قلوبهم.
وسياق التهديد في قوله: {فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك} يشهد له.
2- أنهما متعلقان بقل، ومعناه: قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المنطوية على الشرّ قولا بليغا. ويلائمه من السياق قوله: {أولئك الذين يعلم اللّه ما في قلوبهم} من دواخل الغي ونوازع الضلال.
3- إنهما متعلقان بمحذوف حال أي حالة كون المقول سرا لا يتجاوز نفوسهم ولا يتعدّاها، وتشهد له سيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويتلاءم مع حرص النبي على الستر والملاينة، رجاء أن يثوبوا إلى الرشد ويخلدوا إلى الصواب. وقولا مفعول مطلق بليغا صفة أو حال كونا خاليا بهم. والنصيحة في السر أنفع منها في العلانية.

.[سورة النساء: آية 64]:

{وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)}

.الإعراب:

{وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ} الواو استئنافية وما نافية وأرسلنا فعل وفاعل ومن حرف جر زائد ورسول مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول أرسلنا {إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} إلا أداة حصر واللام للتعليل ويطاع فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور استثناء مفرغ من أعم العلل أي: وما أرسلنا من رسول لشيء من الأشياء إلا للطاعة، فهو مفعول لأجله ولكنه لم يستوف شروط النصب.
وبإذن اللّه يجوز في هذا الجار والمجرور أن يتعلق بمحذوف حال، وقيل: بأرسلنا، وقيل بيطاع. والأوجه الثلاثة متساوية الرجحان {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ} الواو استئنافية ولو شرطية وأن واسمها وما في حيزها مصدر مؤوّل فاعل لفعل محذوف، أي لو ثبت مجيئهم وإذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بجاءوك وجملة ظلموا أنفسهم في محل جر بالإضافة وجملة جاءوك في محل رفع خبر أن {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} الفاء عاطفة وجملة استغفروا معطوفة على جاءوك ولفظ الجلالة مفعول به واستغفر لهم الرسول عطف على ما تقدم {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} اللام واقعة في جواب لو ووجدوا اللّه فعل وفاعل ومفعول به أول والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وتوابا مفعول به ثان ورحيما صفة لتوابا أو بدل منه.

.البلاغة:

في الآية التفات بقوله: {واستغفر لهم الرسول} وسياق الكلام يقتضي أن يقول: واستغفرت لهم، ولكنه عدل عن ذلك للتنويه بالرسول، وليدل عليه دلالة مؤثّرة في قلوبهم، ولاشتماله على ذكر صفة مناسبة، وهي الاستغفار لمن تعاظمت ذنوبهم وتعدّدت آثامهم.

.[سورة النساء: آية 65]:

{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}

.اللغة:

{شَجَرَ} اختلط مختلفا متداخلا متشابكا، ومنه سمي الشجر لتداخل أغصانه وتشابكها، قال طرفة بن العبد:
وهم الحكّام أرباب الهدى ** وسعاة الناس في الأمر الشّجر

أي المختلف المتشابك. ومنه: تشاجر الرماح أي اختلافها.

.الإعراب:

{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} الفاء استئنافية ولا مزيدة لتأكيد القسم والواو حرف قسم وجر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديره أقسم، ولا يؤمنون: لا نافية ويؤمنون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وجملة لا يؤمنون لا محل لها لأنها جواب القسم {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ} حتى حرف غاية وجر ويحكموك فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والواو فاعل والكاف مفعول به والجار والمجرور متعلقان بيؤمنون وفيما جار ومجرور متعلقان بيحكّموك وجملة شجر صلة الموصول وبينهم ظرف مكان متعلق بشجر {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} ثم حرف عطف للتراخي ولا نافية ويجدوا عطف على يحكموك وفي أنفسهم جار ومجرور متعلقان بيجدوا فهو بمثابة المفعول الثاني وحرجا مفعول به أول ليجدوا ومما متعلقان بمحذوف صفة لحرجا وجملة قضيت صلة الموصول {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} عطف على يجدوا وتسليما مفعول مطلق.

.البلاغة:

في هذه الآية مبالغات عديدة، بلغت أسمى مراتب البيان. والغاية منها زيادة الوعيد والتهديد مما ترتعد له الفرائص وترتجف منه الأفئدة. وسنلمع إليها بالتفصيل:
1- فقد أقسم سبحانه أولا بنفسه مؤكدا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون. والإيمان رأس مال الصالحين من عباد اللّه حتى تحصل لهم غاية من أشرف الغايات وهي اللجوء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتحكيمه فيما نشب بينهم من خلاف.
2- ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال: {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت}، فضمّ إلى التحكم أمرا آخر وهو عدم وجود أي حرج في صدورهم، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافيا بل لابد أن يكون نابعا من صدورهم، صادرا عن رضا واطمئنان وطيب نفس. وهذا أجمل تصوير للعلاقة التي يجب أن تترسخ بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين وبين الرئيس والمرءوس، والثقة التي تتأصل في نفوس الشعب لقائدهم وولي أمرهم، ما دام موفقا، سائرا في جوار الاستقامة السليمة.
3- ثم لم يكتف سبحانه، بهذا كله، بل ضمّ إليه قوله:
ويسلموا أي يذعنوا إذعانا تاما وينقادوا ظاهرا وباطنا لا انقيادا أعمى ولكنه انقياد الواثق المطمئن إلى سلامة موقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
4- وضمّ إلى {يسلموا} المصدر المؤكد فقال: {تسليما} وهكذا لا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه والتسليم لحكم اللّه وشرعه تسليما لا يخالطه رد ولا تشوبه شائبة، فسبحان قائل هذا الكلام! واستمع إلى تتمة هذا الفصل في الآية التالية.

.الفوائد:

ما ذكرناه في إعراب قوله تعالى: {فلا وربك} هو المختار في رأينا، ونرى تميما للفائدة أن نورد بعض ما قيل فيه، فاعلم أنه كثرت زيادة {لا} مع القسم في القرآن الكريم حيث يكون بالفعل مثل: {فلا أقسم بمواقع النجوم} {لا أقسم بهذا البلد} {لا أقسم بيوم القيامة} وغيرها. والفائدة منها تأكيد تعظيم المقسم به، ومعلوم أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له فكأنه يقول: إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم كلا إعظام، يعني بذلك أنها بمثابة من التعظيم والفخمية تستأهل أكثر من ذلك، وتستوجب ما فوقه، ومن أمثلته في الشعر قوله:
فلا وأبيك ابنة العامريّ ** لا يدعي القوم أني أفرّ

وسيأتي المزيد من بحثه في مواضعه القادمة من هذا الكتاب العجيب، وهناك أقوال للعلماء في هذا التركيب نثبتها لأنها لا تخلو من وجاهة منها:
1- أن {لا} رد لكلام تقديره: فلا يفعلون، أو: ليس الأمر كما يزعمون من أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف القسم بقوله:
وربك لا يؤمنون. فعلى هذا يكون الوقف على {لا} تاما، وقد ارتضاه الطبري، وناهيك به.
2- والثاني أن {لا} الأولى قدمت على القسم اهتماما بالنفي، ثم كررت توكيدا.
3- والثالث أن {لا} الثانية زائدة، والقسم معترض بين حرف النفي والمنفي، وكان التقدير فلا يؤمنون وربك فتكون الوجوه فيها أربعة.

.[سورة النساء: الآيات 66- 68]:

{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطًا مُسْتَقِيمًا (68)}

.الإعراب:

{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} كلام مستأنف مسوق لتوبيخ الذين يتقاعسون عن الاستجابة للرسول وطاعته. والواو استئنافية ولو شرطية وأن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف أي لو ثبتت كتابتنا، وقد تقدمت له نظائر، وأن واسمها، وجملة كتبنا خبرها وعليهم متعلقان بكتبنا وأن مصدرية واقتلوا فعل أمر والواو فاعل والمصدر المؤوّل مفعول كتبنا، وقيل: أن مفسرة، لأن كتبنا فيه معنى القول دون حروفه. وأنفسكم مفعول به {أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ} عطف على اقتلوا أنفسكم، ومن دياركم متعلقان باخرجوا {ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والضمير في {فعلوه} يعود إلى أحد الأمرين أو للمكتوب عليهم، وإلا أداة حصر وقليل بدل من الواو في {فعلوه} لأنه استثناء من كلام تام غير موجب ومنهم متعلقان بمحذوف صفة لقليل، وقرئ بالنصب على الاستثناء منهم {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ} عطف على ما تقدم، وقد تقدم إعراب هذا التركيب قبل قليل. وما اسم موصول مفعول به وجملة يوعظون به صلة الموصول {لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} اللام واقعة في جواب لو وكان واسمها المستتر، وخيرا خبرها. وأشد عطف على {خيرا} وتثبيتا تمييز {وَإِذًا لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا}
الواو عاطفة وإذن حرف جواب وجزاء مهمل لأنه وقع بعد أحد العاطفين، وهما الواو والفاء، وهو جواب لسؤال مقدّر، كأنه قيل: وماذا يكون لهم بعد التثبيت؟ فقيل: وإذن لو ثبتوا ولآتيناهم واللام جواب لو المقدرة وآتيناهم فعل وفاعل ومفعول به ومن لدنا جار ومجرور متعلقان بآتيناهم وأجرا مفعول به وعظيما صفة {وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطًا مُسْتَقِيمًا} عطف أيضا وصراطا مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض، وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في الفاتحة، ومستقيما صفة.

.الفوائد:

صورة من روائع البطولة العربية الاسلامية:
روى التاريخ أن الزبير بن العوّام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في شراج كانا يسقيان بها النخل، وهي مسيل الماء، فقال: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب حاطب وقال: لأن كان ابن عمتك؟ فتغير وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك. كان قد أشار على الزبير برأي فيه السعة له ولخصمه، فلما أحفظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استوعب للزبير حقه في صريح الحكم.
ثم خرجا فمرّا على المقداد فقال له: لمن كان القضاء؟ فقال الأنصاري: قضى لابن عمته، ولوى شدقه. فاستغل يهودي الموقف فقال: يشهدون أنه رسول اللّه ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم! وايم اللّه لقد أذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى فدعانا إلى التوبة منه وقال:
اقتلوا أنفسكم، ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا حتى رضي عنا. فقال ثابت وابن مسعود وعمار بن ياسر: لو أمرنا محمد أن نقتل نفوسنا لقتلناها. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن من أمتي الإيمان أثبت في نفوسهم من الجبال الرواسي.

.[سورة النساء: الآيات 69- 70]:

{ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}

.الإعراب:

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} كلام مستأنف مسوق لبيان فضل طاعة اللّه ورسوله. ومن شرطية في محل رفع مبتدأ ويطع اللّه فعل الشرط والرسول عطف على اللّه {فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ} الفاء رابطة لجواب الشرط وأولئك مبتدأ ومع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر والذين اسم موصول مضاف اليه والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط وجملة أنعم اللّه عليهم صلة الموصول ومن النبيين جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وما بعده عطف على النبيّين {وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا} الواو عاطفة وحسن فعل ماض تضمن معنى المدح والتعجب وأولئك اسم اشارة فاعل ورفيقا تمييز أو حال على رأي الأخفش.
والرفيق يستوي فيه الواحد والجمع ومثله الصديق والخليط {ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيمًا}
اسم الاشارة مبتدأ والفضل بدل منه ومن اللّه متعلقان بمحذوف خبر، ويجوز أن يكون الفضل هو الخبر ومن اللّه متعلقان بمحذوف حال وجملة الاشارة استئنافية وكفى فعل ماض والباء حرف جر زائد واللّه فاعل محلا مجرور لفظا وعليما تمييز أو حال، وقد تقدم إعرابه. وجملة كفى استئنافية.

.[سورة النساء: الآيات 71- 72]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)}

.اللغة:

(الحذر) بكسر الحاء وسكون الذال أو بفتحتين: التّيقّظ والاحتراز من الأمر المخوف.
{ثُباتٍ} بضم الثاء: الجماعة من الفرسان، ويقال ثبوت أيضا، ووزنها في الأصل فعلة كحطمة، وإنما حذفت منها لامها وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة. وهل هو واو أو ياء قولان، وفي كتب اللغة الثبات: جمع ثبة وهي الجماعة من الرجال فوق العشرة، وقيل:
فوق الاثنين. والسرية أقلها مائة وغايتها أربعمائة، ويليها المنسر من أربعمائة إلى ثمانمائة، ويليه الجيش من ثمانمائة إلى أربعة آلاف، ويليه الجحفل وهو ما زاد على ذلك. قال زهير يصف جماعة كراما ويمدحهم:
وقد أغدو على ثبة كرام ** نشاوى واجدين لما نشاء

لهم راح وراووق ومسك ** تعلّ به جلودهم وماء

أمشي بين قتلى قد أصيبت ** نفوسهم ولم تقطر دماء

يجرّون البرود وقد تمشّت ** حميّا الكأس فيهم والغناء

{انفروا} أمر من النفر وهو الفزع، يقال: نفر إليه نفرا من باب ضرب وقعد. وقد قرأ الأعمش: انفروا بضم الفاء في الموضعين.
{يبطئن} بتشديد الطاء زيادة التثاقل والإبطاء والتخلّف عن الجهاد. يقال: بطّأ بالتشديد وأبطأ.